الوطنية في زمن كورونا المستجد
الوطنية في زمن كورونا المستجد
فيروس كورونا المستجد -كوفيد19- ضحاياه بالآلاف، فيروس مجنون، لا يوقر كبيرا ولا يرحم صغيرا، لا يميز بين مجتمع وآخر، لا يميز بين طبقة وأخرى وباء حرك الجامد وجمد المتحرك، أبانت الأيام أن الدول التي تراخت في الأخذ بالتدابير الاستباقية الوقائية لمحاصرته والحد منه، دفعت الثمن غاليا، وتوسعت لديها دائرة المصابين بشكل كبير، حتى أصبح الوضع خارج السيطرة.
خير مثال على ذلك إيطاليا الجميلة بشعبها الرائع التي عانت ولا زالت تعاني الويلات بسبب تراخيها في تطبيق سياسة الحجر الصحي ، فالصور القادمة من هناك تدمي القلب وتبعث على الأسى والحسرة، شعب إيطاليا ضحية لتراخي حكومته واستهتارها بخطورة هذا الفيروس، وضحية كذلك لخدلان الإخوة الجيران، حيث تخلت أوروبا عن إيطاليا وتركتها تواجه مصيرها بنفسها، لم تنفع نداءات الاستغاثة الصادرة عن روما ولم تحرك مشاعر الأوربيين ، تركت لمصيرها ، تركت تحترق بنيران كوفيد19، وكأنه نيرون المستبد يتجدد في عصرنا الحالي ،لم يستجب لنداءات إيطاليا المقهورة إلا الأباعد من صينيين وروس… ، وهو ما ينبئ إلى أن التغيير في التحالفات الدولية مسألة وقت فقط، والأكيد أنه بعد تجاوز محنة كرونا، سيعاد ترتيب الأوراق دوليا ومراجعة الإصطفافات في هذا الخندق أو ذاك .
أفضل ما توصلت إليه البشرية في إطار محاربتها لهذه الجائحة إلى حد كتابة هذه السطور هو الحجر الصحي الدي يبقى الوسيلة الأمثل لدفع الخطر الداهم ، وقبل ذلك هو وعي عميق بضورة حماية المجتمع ككل وتغليب المصلحة العامة على الأنانية الفردية، فالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان أباحت تقييد الحقوق والحريات الأساسية في مثل هذه الظروف ، فبالرجوع إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948، نجده بعد إقراره للحقوق والحريات الأساسية، ينص في المادة 29 منه على أنه » يخضع الفرد في ممارسة حقوق وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي «
فالمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي كرست الحقوق والحريات بكل أصنافها، استحضرت حالة الضرورة والقوة القاهرة والخطر العام لوضع استثناء على ممارسة هذه الحقوق والحريات والسماح بتقييدها، والتي كان من بينها الأسباب المتعلقة بحماية الصحة العامة، من أجل ضمان حماية المجتمعات والأفراد والجماعات على حد سواء من الخطر العام والتهديد الحقيقي لسلامتهم وأمنهم .
فالحجر الصحي مارسه الصحابي الجليل عمر بن العاص (ض)، حين طبق الحجر الصحي على أهل الشام وقد صار أميرا عليهم والطاعون يومئذ متفش فيهم ،حيث حصد أرواح أعداد كبيرة منهم، فخطب فيهم قائلا: أيها الناس إن الطاعون كالنار المشتعلة وأنتم وقودها فتفرقوا وتجبلوا حتى لا تجد النار ما يشعلها فتنطفئ وحدها، فلما سمعوا واستجابوا نجوا جميعا ورفع البلاء.
فالتقيد بالحجر الصحي تمليه المصلحة العامة وفي وقتنا الحالي وبكلمة واحدة هو الوطنية.
الأستاذ يونس الناصري
محام بهيئة الدارالبيضاء